منتدى عاصفة النار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» اسطوانة جوبا
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالجمعة يوليو 30, 2010 1:19 am من طرف FIRE STORM

» ميسي واثق من قدرته على تقديم عروض رائعة في كأس العالم *
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالخميس مايو 20, 2010 10:38 pm من طرف FIRE STORM

» جدول مباريات كأس العالم 2010
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالخميس مايو 20, 2010 10:36 pm من طرف FIRE STORM

» الفيفا يعاقب مصر على مباراة الجزائر في القاهرة، ويغلق ملف مباراة الخرطوم
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالخميس مايو 20, 2010 10:33 pm من طرف FIRE STORM

» * * * * * * * وحدة رسبت في الثانوية شوفوا شو سوووت لا يفوتكم !!
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2010 10:16 am من طرف FIRE STORM

» لايأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس!!!
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2010 10:13 am من طرف FIRE STORM

» عيش حياتك ببساطة
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2010 10:12 am من طرف FIRE STORM

» قصه موثره الرجاء الدخول
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2010 10:10 am من طرف FIRE STORM

» فتاه ترضي ربها على حساب شكلها
خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2010 10:09 am من طرف FIRE STORM

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام

اذهب الى الأسفل

خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام Empty خُبـز الفدآء / قصة رائعة للأديبة سميرهـ عَزام

مُساهمة من طرف FIRE STORM الخميس مارس 18, 2010 5:44 am

قصة للأديبة الفلسطينية :




سميرة عزام . ابنة مدينة عكا في فلسطين المحتلة عام 48




قصةغاية في الروعة أتمنى ان تقرؤوها كلها وتبدو رأيكم فيها





ودّحين ناوله إبراهيم غلي محشواً بالتبغ لينفّس به عن ألمه لو يدعه يتصرّف

كطفلفيبكي.. إنه يشعر بالدموع تنبجس وتغرق عينيه، فيدير رأسه ويمسحها خفية

بطرف كمه،ويروح يداري ألمه الخجول بأن يمدّ رأسه من فوق المتاريس، ثم يلتفت

لرفاقه فيجد فيسكوتهم تفجّعاً يدفع الدمع إلى عينيه ثانية، ويرى في كل شيء في هذا

الليل الصامتالذي يطل عليه هلال غائم بعيد، ألماً يجسّد انسحاقه.. وكأن كل ما في

الكون يدري بأنله حكاية، وأن أكثر ما يشتهيه في هذه اللحظة أن يمارس ترف

الحزن بتلقائية، فهوالساعة أضعف من أن يصطنع أي جبروت، وأكثر ما يريده هو

أن ينفضّ أخوانه من حولهقليلاً ليعود إنساناً يخلع قناع الصلابة ويبكي، يبكي بلا

خجل. ورفع كمه يمسح عينيهوأحسّ بخيوط القميص الصوفي تخدش عينيه.. وتذكره

بتعويذتها التي يلبسها والتي ستردعنه – كما قالت – كل رصاصة غدارة.أجل إنه

يتذكّر تلك الليلة...ليلةٌ كهذه هلالهاصغير، وبردها يقرص الأجساد، وكان مكلّفاً

بحراسة مستشفى صغير أقامه جيش الإنقاذ فيبيت من بيوت المدينة مؤلف من أربع

غرف حجرية وحديقة صغيرة، وكانت أسرة المستشفىالثمانية مشغولة بثمانية جرحى

حملهم أخوانهم بعد معركة انصبت النار فيها من مستعمرةنهاريا اليهودية، على

القرى العربية في قضاء عكا وأحضروهم ليُسعفوا بالمستشفى. ثماختارته لجنة

الانضباط ليقوم بحراسة المستشفى الواقع في طرف من أطراف المدينةتفّرقت فيه

البيوت وتباعدت. أجل باردة كانت الليلة، ولم تحمه كوفيته ولا معطفهالسميك من

وخزات البرد اللاذع، فكان ما يفتأ يتمشّى ليمنع الدم من أن يتخثّر فيشرايينه، ثم يعود

إذا تعب ليتّكئ إلى جدار المستشفى قريباً من الباب، ويرقب من بعيددور المدينة التي

تنام نوماً تهدّده أية غارة مفاجئة، ولا يدري كم كانت الساعةبالضبط فقد خبتت الأنوار

إلا تلك التي تتوّج أعمدة الطرق العامة، وسكت الليل إلاّمن أصوات ابن آوى، هذه

التي تبلغه من بعيد...أجل لا يدري كم كانت الساعة بالضبط حينشعر بها إلى جانبه في

ثياب التمريض البيضاء تسأله إذا كان يريد فنجاناً من الشاي،إنه لم يفكّر في الشاي

ولا في أي شيء آخر...ولكنه أحس بأنه يريد أي جسم حار يشدإليه أصابعه

المقرورة. فقبل شاكراً. ولما عادت تحمله إليه، جرعه في أربع رشفات حتىلا يدعها

تنتظر طويلاً، ولما ردّه إليها فارغاً غمغم بكلمة شكر، ولكنه فكّر بعد أنانسحبت بانه

كان من المناسب أن يلاطفها بسؤال، وأدار رأسه يبحث عن ظلها خلف النافذةولكنها

لم تلح. وفكّر في أن يشكرها في الصباح.. ولكن من عساها تكون؟ . إن

هناكممرضتين، وهو لم ير منها إلاّ بياض ثوبها. ولكنه في الليلة الثانية عزم أن

يكونأكثر طراوة لو حملت له الشاي... وانتظر طويلاً ولكنها لم تحضر.. وقال في

نفسه إنهامشغولة عن شايه بمن هم أحوج إلى عطفها.. فلماذا لا يطرق الباب ويطلب

الشاي بنفسه؟واستحيا أن يفعل. وقد كره ، يكون متطفلاً على وجه ما.. ها قد خبت

الأنوار ونامتالمدينة وحمّلته وأخوانه مسؤولية السهر. وفي مثل هذا الوقت بالأمس

شرب شايها... ورفع أصابعه التي أثلجتها ماسورة البندقية واشتهى شيئاً حاراً يبعث

فيها الحرارة.. ورفع يده إلى فمه لينفخ فيها، وإذ بشبحها الأبيض يجبهه بصوتها

يقول: لقد أحضرت لكشايك دون سؤال.. لن ترفضه بالطبع..ورفع عينه وحدّق في

وجهها..ومدّ يده المقرورةليحمل الفنجان .. ورأى من اللياقة أن يقول لها شيئاً قبل

أن يشرب..- ألا تجدينالمهمة شاقة عليك؟وفي حدّة لم يتوقعها ردّت عليه:- هل

تجدني أضعف من الواجب؟- أنا .. لا لا لا أبداً..ومن لم يدر ما يقول، فرفع الفنجان

إلى شفتيه، وجرعه بسرعة سلقتحلقه .. وأعاده إليها دون شكر. ولما ابتعدت قليلاً..

ناداها.. لماذا لا يسألها عناسمها؟ .. ماذا في الأمر... - يا آنســة..ووقفت..وتقدم

منها:- آسف.. هل يمكن لي أنأعرف إسمك وضحكت قبل أن تقول:- لم لا.. نحن

هنا أخوة .. إسمي سعاد...- وأنا رامز... ورفاقي يسمونني العريف.. ألا

نتصافح؟وأعطته يدها ضاحكة ثم انسلّت بخفة كماجاءت..سعاد.. عجيب وهذه سعاد

أيضاً.. يبدو أن له حظاً مع الإسم ..فقبل أيام قدّمتاللجان النسائية في البلد هدية إلى

الحرس القومي من القمصان الصوفية والبطانيات.. قامت بحياكتها فتيات المدينة

وكان في كل جيب بطاقة تحمل إسم الفتاة التي حاكتهاوعبارة تشجيعية قصيرة.. إنه ما

يزال يحتفظ بالبطاقة.. ومدّ أصابعه وتحسّسها وأخرجهاثم أشغل عود ثقاب أضاءت

معه الحروف سعاد وهبي وتحت الإسم كانت هذه العبارة: (أرجوأن تكون من نصيب

بطل).وأكلت النار العود واختفت الكلمات، فأعاد البطاقة إلى جيبه. أتكون هي؟ لو



كانت هي نفسها أفلا تكون صدفةً حلوة؟ والتفت إلى الباب.ولكنه كانمغلقاً..وفي الليلة الثالثة تعمّد

أن يبدأ نوبة الحراسة باكراً ليجد مجالاً لدخولالمستشفى والسؤال عن الجرحى .. كان الباب مفتوحاً

فدخل.. ورآها تحمل صينية عشاءلأحد الجنود فحيّاها... وسألها إذا كان بوسعه أن

يزورهم ..فقالت:- لم لا...أريدك أنترى حسّان.. ليقصّ عليكقصةالمعركة، لقد سمعتهامنه عشرين

مرة، ولن يؤذيني أن أسمعها للمرة الحادية والعشرين.وتبعها..وأمام سريرحسّان المضمّد الرأس

وقف كما وقفت هي وضحكا وهما يستمعان إلى الجريح يقول:- إنالأخت سعاد ممرضة صارمة

تريد له أن يتمدد كالجثة، وتحرّم عليه التدخين بأخفائهاسجائره..وأتيح لرامز أن يلحظ وهي

تضحك أن لها أسناناً شديدة البياض وأن لعينيهابريقاً يعكس إرادة لا تردّ.. وشجّعه الجو على أن

يسأل:- ولكن ألا توافقني على أنهاطيبة.- طيّبة؟ إنها أطيبهن جميعاً.. أكثر طيبة من أمي

العجوز.. ما تفتأ تدور بينناتسقي هذا، وتطعم ذاك، وتلبي أجراساً تقرع في كل الغرف، فإذا وجدت

لحظة للراحة جلستقريباً من الباب وشغلت نفسها بالحياكة.- حياكة؟وتذكّر القميص ومدّ يده فحل

أزرارمعطفه السميك وسترته، وكشف عن قميصه الذي يرتديه، واقترب خطوة منها وقال:-

أتعرفينهذا القميص؟- أوه.. أكان من حظّك؟- ألا أستحقه؟ إنني أحتفظ بالبطاقة ... لأتذكّردائماً

مسؤولية البطولة...واستدعاها جرس ملحاح، فتركته وحسّان الذي سأله عن سيجارةأقسم ألاّ

يدخّنها إلاّ إذا سمحت له...ومضى أسبوعان، وتماثل الجرحى للشفاء فغادرواالمستشفى إلاّ واحداً

نقل إلى مستشفى آخر. وانتهت مهمته في الخفارة. وعاد إلى عملهفي تدريب طوابير الفتيان على

حمل السلاح. وكان يستقبل طابوراً ويودع غيره حتى إذاهبط الظلام حمل بندقيته ومضى إلى

الغرفة الوحيدة التي يتألف منها بيته.. وعندها يجدوقتاً ليفكّر بها...لقد انقضى أسبوع ولم يرها


خلاله فأين عساها تكون... لماذا يحسبأنه مدفوع إلى الاهتمام بها؟ مدفوع إلى محبة القميص الذي

حاكته؟.. ولقد انكشفتبالأمس شيئاً، فحين قام يلبس في الصباح، حمل القميص في يده وراح

يتأمله .. لقد عاشأياماً بين يديها وهي تبنيه غرزة على غرزة دون أن تدري لمن يكون.. لعلها

رسمت فيذهنها صورة للرجل الذي سيرتديه، وهي بالتأكيد قد اختارته أن يكون طويلاً

عريضالكتفين..رجلاً تعلٌّ عليه أمل البطولة.. والتفت إلى نفسه في المرآة المعلّقة علىالحائط ..

وتحسس ذراعيه المفتولتين: وضحك على سخفه وهو يتأمل نفسه. ولكن أي ضير فيأن يكون

سخيفاً فيرفع مثلاً القميص ويشمه طويلاً ويقبّله أيضاً؟..ورآها في الطريق. لم تكن في ثياب

الممرضات.. فاعترض طريقها قائلاً:- كدت لا أعرفك فما كنت يوماً إلاّبيضاء..وأعطته يدها

فصافحها وقالت:- لقد غادرنا المستشفى. إنني لا أجد ما أفعلهاليوم. وأنت ماذا تفعل؟- طوابير

تدريب في النهار، خفارة في الليل، ولا شاي! !ورنّتضحكتها الفضية.. وضبطته يتطلّع إليها

فاحمرّت .. وهمّت بأن تمضي وبسرعة قبل أن يضعفأمام، خجله سألها شيئاً:- أرجو ألاّ تظنيني

وقحاً... هل أستطيع أن أراك في مكانما...؟- بلدتنا أصغر من أن تتسع لنا..- ولكننا إخوان

سلاح.. إنني أدرّب طوابير منالجنسين على استعمال البندقية.. تعالي إلى نادي الميناء سنتحدّث

قليلاً بعد أن أفرغمن التدريب...واتفق على حضورها في الثالثة، ثم انهمك في تدريب طابور ناعم

كيف يقفوقفة لا ترتعش تحت بندقية ثقيلة.. ولمحها تدلف.. فتجاهلها حتى انتهى وصرف

تلميذاتهواتجه يحييها ويقدّم لها كرسياً ويسحب لنفسه آخر..- ألست متعباً؟..- وأينا لايتعب؟..

ولكني بعد أن عرفت ما يدور في مستعمرات الصهاينة من تـأهب وتعبئة تمنيت لوكان يومنا ستين

ساعة.. إن أمامنا عمليات رهيبة.- أخائف أنت؟..- متحسّبٌ ..لسنا فيموقف هيّن.. يخيّل إليّ أن

اليهود زرعوا مواسمهم أسلحة، وملأوا بطون مستعمراتهمبها، لقد اكتشفنا أشياء كثيرة...- هل

ذهبت بنفسك؟..- كثيراً قبل أن يتوتّر الموقف.. أما الآن فلا أستطيع، إنني على لائحتهم

السوداء.. ورآها تتأمله ثم انفرجت شفتاهاوتألّقت في عينيها تلك النظرة الحازمة...- أتدري لقد

بتّ أصدّق أنك بطل؟..- بطل.. لا أظن.. ولكن بطاقتك توحي إليّ بأن أكون...- أما تزال محفتظاً

بها؟...- هيذي.وأعطاها لها، ولما مدّ يده ليسترجعها ضغط على يدها قليلاً ثم أرخاها،

وتركهاتداري خجلها متطلّعاً إلى البحر الأزرق أمامه.كان الوقت ربيعاً، وربيع فلسطين بحرأزرق

تتهادى عليه أشرعة المراكب البيضاء نهاراً، وترصّعه فوانيس قوارب الصيد ليلاً،وبساتين برتقالٍ

يكثّف عبقُها الهواء.. وفي ربيعها ذاك عرف شيئين .. الحب والحرب.،وكان الأول يعطي معنى

للثاني، فالحرب ليست عدواً يقتل لشهوة، إنما هي حق حياة للأرضالتي يحب، والفتاة التي يحب،

إن فلسطين ليست بحراً ومراكب صيادين، وليست برتقالاًيتعلّق كالذهب، وليست زيتوناً وزيتاً يملأ

الخوابي.. إنها عينا سعاد السوداوانأيضاً. وفي عينيّ سعاد رأى خير فلسطين كله، رأى ظلّ بيت

سعيد له. وزوجة تنجب لهأبطالاً صغاراً وتجعل من حبها معنى لوجوده.ومع كل إطلالة صباح ..


كان يستقبلخيالها.. جنباً إلى جنب مع أنباء المعارك في صحف الصباح. ..معركة القسطل، هجوم

قومهمن مثلث الرعب على قرى الأعداء.. غاراته وإخوانه على المصفّحات اليهودية المتسلّلةعلى

طريق حيفا – عكا نهاريا، بطولة قومة على سلمه، في كل مكان...ثم كانت كارثةحيفا..لن ينسى

ذلك المساء..كان مشغولاً بصفّ التدريب..حين التفت إلى البحر فإذابعشرات المراكب المحمّلة

بالناس.. وتجمهر أهل مدينته على السور وفي منطقة الميناءيستطلعون .. كانوا على علم بالمعارك

التي تدور في حيفا، وكانوا يدرون أن سلطاتالإنتداب قد مكّنت الصهاينة من المراكز المحصّنة سراً،

في حين ادّعت أنها لن تتخلّىعن المدينة إلاّ بعد فترة الانتداب بشهور، ولكنها فجأة أعلنت عن

اضطرارها لإخلاءالمدينة.وانصبّ الهول من الكرمل على العرب الذين يعيشون في السفوح، ومهّدت

السلطةلحالة ذعر بحرب إشاعات فتحت معها الميناء، وأطلقت سفنها تحمل كل راغب في

رحيل،فتكدّسوا فيها والنار تلفظ هولها عليهم من الجبل..ولفظتهم السفن على ساحل عكا.. كتلاً

بشرية.. يئن بعضها من الجروح وبعضها من الجوع، وبعضها من الفزع.وامتلأ بيوتمدينته،

مساجدها، أديرتها، ساحاتها بهم..وتحمّلت مدينته الصغيرة عبء تدبير طعامومأوى لهذه

الآلاف..وفي تلك الليلة رأى سعاد مع عشرات المتطوعات يستقبلن الجرحى فيالميناء ويوزعنهم

على المستشفيات والبيوت.. وبدأت حرب الإشاعات تلعب لعبها فيالأعصاب...استيقظ في صباح

اليوم التالي على قرع شديد على باب غرفته، وفتح البابوذهل إذ رآها..كانت تبكي..قالت له أن

أخاها قد دبّر شاحنة حشد فيها كل ما يُحمل ثموضع فيها زوجته وأطفاله ونفسه ليرحلوا للبنان..

. وأن عشرين أسرة من حيّها قد فعلتمثله...وقد فرض عليها أن تصحبهم فرفضت، وقاومت

فضربها، فلم تجد أمامها إلاّالفرار.إنها آخر من يسافر...وأذهلته المفاجأة .. لم يدر ما يقول لها وظلّ صامتاً،ولما قرعت صدره بقبضتها سأل: - هل فعلت هذا بسببي؟وانفجرت في وجهه:- لا ليس بسببك.. صحيح أنني أحبك... ولكنك لست كل شي؟قالتها وانصرفت..وفتح الباب وخرج إلىالمدينة..عشرات السيارات كبيرة وصغيرة، محمّلة وفارغة، أطلقت دواليبها للريح.. وخلّته مذهولاً.. لا يدري هل يبكي، هل يصيح، هل يقذف هذه السيارات بحجارته؟..وفيأسبوع فرغت المدينة إلاّ من شاكي السلاح.. ومن بضع ممرضات موزّعات على المستشفياتالصغيرة، ومن النازحين إليها من حيفا أو القرى، ولم يعد يجد وقتاً للقاءاته بسعاد.. فأعداؤه في الشمال وفي الجنوب يتربصون الفرص ليطبقوا على المدينة.. كان في النهاريتسلل إلى القرى يجمع البنادق والذخيرة، أما لياليه فللحراسة مع خمسة غيره يقبعونوراء المتاريس المقامة على ظهر مصنع للسجائر تعطّل فيه العمل، كان لا بدّ للمدينةمن الصمود حتى تبدأ معركة أخرى على مستوى جيوش بعد انتهاء فترة الانتداب..هذه هيمهمته التي رسمتها اللجنة القومية للمدينة.. وحين كان يجد وقتاً يسترخي فيه، كانيجد وقتاً ليفكّر بسعاد وليتساءل كيف تراها تعيش. وتحت أي ظروف. وصعق مرة حين رآهاأمامه...كانت تلتف بمعطف وقد حملت صرّة كبيرة..وحار كيف يتلقاها ولكنها هوّلت عليهالأمر حين فتحت الصرّة وقالت موجهة حديثها لكل الرفاق:- لقد خشيت اللجنة أن تفرغمؤونتكم فتطوّعت لحمل هذه الأشياء...وفتحت الصرّة علىخبزوسجائر وحلوى، وفتحت عينيها على نظرة استقطبت كل شوقالعالم. أثارت انفعاله لدرجة ودّ معها لو يضمها أمام رفاقه جميعاً..ولقد رأى من حقهوحده أن يمشي معها قليلاً وهي عائدة، وأن يمسك بأطراف أصابعها بيد مرتعشة، ثميرفعها إلى فمه دون أن يجد ما يقوله غير أن يتوسّل إليها ألاّ تعاود مثل هذاالجنون، ثم ابتعدت ووقف يرقبها حتى ابتلعها أحد المنعطفات.وتكرّرت زياراتها.. لمتكن تلبث أكثر من دقائق ولكنها كانت كافية لتشحن أحاسيسه وانفعالاته بشكل يتعبهويسعده معاً...وإلى أن كان الأسبوع..واشتدت المعركة وجأرت النار طيلة ليلتين ونهاركامل وقسم من النهار الثاني...كانت سيارات الأعداء المصفّحة تتجه على الطريقالعمومي إلى نهاريا.. وكان عليهم أن يقطعوا عليها الطريق بالمدافع المبثوثة علىالدور القريبة من الطريق...ولم تهدأ المعركة إلاّ في الثالثة من عصر اليوم التالي،فانقضّوا على المتاريس، واستلقى بعضهم على الأرض، ونزل هو يغتسل من حنفية الحديقةتمهيداً لزيارة للمدينة يستفهم فيها عن خطة الحرس القومي في سحب السيارات المصابةإلى داخل المدينة...وكان الصابون يغمر وجهه حين انبعث صوت رصاصة فثانية، فسارع يزيلالصابون عن عينيه حين ثقب أذنيه صوتها..والتفت إلى باب الحديقة فرآها تمرق منه.. وصرّتها بيدها، أما الأخرى فكانت على صدرها.. لم يصدّق أن بها شيئاً وقد كانت واقفةعلى قدميها، ولكنها ما لبثت أن ارتمت عليه، وبدأ الدم يندلق من صدرها، فسد جرحهابيده، ونادى على رفاقه الذين سارعوا بالقاء ستراتهم لتمتص دمها المسكوب.وفتحت فمهالتقول شيئاً، ولكن الحشرجة خنقت كلماتها.ثم انتهى كل شيء بشهقة!...حدث هذا بسرعة لميصدّقها.. دقائق وضعت حدّاً لكل شيء، فكيف، كيل لم يجمّد الزمن.. كيف تركها تموت؟كيف لم تنتفض تحت قبلاته، نداءاته الملتاعة.. كيف لم ترتعش تلك الجفون وهي تشربكلمات حبّه الأولى..ماتت... كيف ورائحة شعهرا في أنفه ما تزال.. وحرارة يدها تأكلكفّه، وطعم شفتيها الرطبتين على شفتيه. لم يكن في نظرتها موت، في عينيها اللتينتتحدّيان أي شيء..فيهما حب ووعد بالحياة...ويفرك عينيه، يطرد الكابوس ويشدّ علىالغليون الذي قدّمه له إبراهيم فلا تنغرز أظافره في راحته وهو يقرأ في عيونرفاقه..أجل ماتت، وانتزعناها منك، ودفنّاها على الرابية هناك، وزرعنا على قبرهاعلماً، وكرّسناها بطلة..كانت تحبّك فباتت رمزنا جميعاً.. إبراهيم، ووديع وصالح،وأحمد وعبدالله....خطّ أصفر نحيل وبضع نجيمات .. ولا شيء إلاّ العتمة وأطرافالسجائر المتوهّجة، وهم أمام المتاريس بلا نوم أو طعام أو شراب...وانقضت الليلةهادئة إلاّ من مناوشات في الفجر، ثم سكت كل شيء، واستسلمت الرؤوس المتعبة إلى يومنوم يفسد الجوع وتوقع الخطر...ومع الفجر فرك عبد الله عينيه وسأل وهو يتطلّع فيالصناديق الخشبية المركونة جانباً:- أما من شيء نأكله؟...وردّ وديع:- أجل هناكجوعنا..وسكت...وهناك أرغفة سعاد.. لماذا لا يقولونها، وكانت ملوّثة بدمها، فأي أدامتعس لخبزهم؟..لقد بدأوا يجوعون بشكل لا يطاق، وباتوا عاجزين حتى عن الوقوف..وكانرامز يشعر بأن الظروف تتكاثف لامتحانه بشكل مذل، وبأنه ما من واحد من رفاقه سيجرؤعلى أن يفكر في الأرغفة إلاّ إذا عرضها هو...وغطّى عينيه بيديه، أهناك تعاسة بعدتعاسة اضطراره إلى أن يطعم دمها رفاقه؟..وتطلّع إلى أخوانه. كان عبد الله مستلقياًعلى بطانية، وكذلك صالح، وكان أحمد جالساً على كيس من الرمل وهو يضغط بطنهبيديه...إن واحدهم مستعد لأن يأكل جثة كلب، ولكن يداً منهم لم تمتد إلى الأرغفةالمعمّدة بالدم.. لقد كان عليه أن تأتي البادرة منه.. ماذا يقول لرفاقه.. خذو فقدوهبتنا سعاد الخبز والأدام...وأطرق قليلاً، ثم تحامل على نفسه ووقف.. إذا كان هويستفظع الفكرة فإن عليه أن يمضي إلى المدينة ليتدبّر لهم ما يأكلونه...وحاول أن يقفولكنه كان ظاهر الخور.. وأدرك رفاقه ماذا يبغي من وراء ذهابه للمدينة، إن أية رصاصةستصطاده كعصفور صغير، فالمنطقة الخلاء بين مركزهم والعمران كبيرة ومكشوفة، ومرورسيارات مصفّحة تحمي نفسها بإطلاق الرصاص في كل الإتجاهات متوقع في أية لحظة، فأمسكصالح به من كتفه واضطره إلى الجلوس...فجلس لتتوثّب في رأسه طيوف معركة بين جوعهوجوع رفاقه وبين الأرغفة الحمراء... كانت ما تزال مكوّمة في الزاوية، مصرورة كماحملتها سعاد.. إن التجربة شيء يجرح أعصابه ولكن شراء حياة خمسة، يجب ألاّ يخضعلإحساسه الرهيف...ولكن أي ثمن سيدفع .. أين الأعصاب التي تحتمل أن ترى يداً تمتدلتمزّق رغيفاً وأسناناً تدور لتلوك خبزها مغموساً بدمها.. وأغمض عينيه .. لا، هذالن يكون ..ولو ماتوا جميعاً.. إنهم لا يفضلونها بشيء.. وماذا لو ماتوا..تموت وهيتحمل خبزهم، ويموتون لأنهم لن يمسّوا خبزاتها، فلا يشتري موتُها حياتهم. يرفضونخبزاتالفداء.. وقد امتدّت إليهم ممتحنةإنسانيتهم.. أو إنسانيته هو على الأقل.. فما ذنب هؤلاء ليجوعوا..؟ ولكن ماذا لوجاعوا..؟ ليحسبوا ألاّخبزهناك.. إنهم على كل حاللا يتطلّعون إليه. لقد عفّوا وأقنعوا أنفسهم بأن ينتظروا رزقاً غير هذا.. أويموتوا.. ويموت معهم ثأرها..ثأرها؟ صحيح كيف ينسى ذلك...؟ كيف يختار أن يموت جوعاًككلب ويميت معه خمسة؟ حقاً إن كثرة تعاملهم مع الموت قد سلبته تلك الصورةالمستفظعة، ولكن مهما كان له الحق في اختيار الميتة التي يشاء، فلن يختار أن يموتجوعاً. سعاد نفسها ترفض ذلك لبطل...وارتعش بألم...لقد اكتشف أنه في الليلة الأخيرةقد فكّر في جوعه أكثر مما فكّر في سعاد. لقد عطّلت غريزة الجوع كل أحاسيسه .

FIRE STORM
FIRE STORM
مدير و مؤسس الموقع
مدير و مؤسس الموقع

الاسد عدد المساهمات : 145
نقاط : 7808
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 17/03/2010
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالب
المزاج : كوول

https://firestorm2010.mam9.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى